الحجرة- سجن النساء المجنونات عبر التاريخ
المؤلف: مي خالد10.15.2025

في أحدث إبداعاتها الروائية، "حجرة"، تسلط الروائية المقتدرة أمل الفاران الضوء على الأساليب المروعة التي انتهجها البشر على مر العصور للتخلص من النساء اللاتي وُصِمن بالجنون. تتناول الرواية حياة امرأة تعاني من اضطراب عقلي، شخصية قد نكون جميعًا قد عرفناها أو سمعنا عن شبيهاتها. باختصار، تُحبس هذه المرأة في غرفتها لفترة طويلة، ثم يتدهور حالها المأساوي نتيجة لهذا الحبس القسري، مما يؤدي في النهاية إلى وفاتها.
يمكننا القول بكل ثقة إن رواية "حجرة" هي عمل روائي فريد من نوعه يستعرض تطور الاضطرابات العقلية من منظور طبي ونفسي عميق، وذلك من خلال استعراض أفكار الشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب. إن سرد البطلة المجنونة مؤلم ومثير للقلق إلى حد كبير، حيث ينقل لنا حجم المعاناة التي تعيشها.
في اعتقادي الراسخ، كان الناس في العصور الغابرة، قبل ظهور المستشفيات النفسية المتخصصة، يتخلصون من النساء اللاتي يعانين من الجنون في العائلة عن طريق القتل أو دفعهن للانتحار اليائس. في المقابل، كانوا يسمحون للرجل المجنون بالحياة في الشوارع، حيث يقضي وقته في التفاعل مع أوهامه وتخيلاته.
الفيلسوف المرموق ميشيل فوكو، صاحب المؤلفات الرائدة، قدّم لنا كتابًا يعتبر مرجعًا لا يُضاهى في التاريخ الكلاسيكي للجنون. يصف هذا الكتاب أفظع العلاجات التي كانت تُوصَف للمجانين من النساء والرجال على حد سواء. حسبما أتذكر، كان أحد هذه العلاجات يتمثل في إحداث ثقب في جمجمة المجنونة ثم ملء هذا الثقب بروث الحمام، وهو أمر بالغ القسوة والوحشية.
رواية حجرة أيقظت في ذاكرتي قصة أخرى تتناول حبكتها امرأة تعاني من الجنون، وهي رواية "ورق الجدران الأصفر" (1892) التي كتبتها المبدعة شارلوت جيلمان.
تسلط هذه الرواية الضوء على تجربة العلاج القسري للنساء المصابات بالجنون في القرن التاسع عشر، وهو علاج ابتكره الطبيب سيلاس ميتشل وأطلق عليه اسم "علاج الراحة". كان هذا العلاج مخصصًا تحديدًا للنساء العصبيات، ويتكون من الراحة القسرية في الفراش والعزلة الاجتماعية والإفراط في التغذية. كان هذا "العلاج" القمعي يشمل أيضًا العلاج بالصدمات الكهربائية والتدليك، بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي غني باللحوم وقضاء أسابيع أو أشهر في الراحة التامة في الفراش. يرى المؤرخون المعاصرون أن "علاج الراحة" الذي ابتكره ميتشل يمثل مثالًا صارخًا على كراهية النساء المتجذرة في مجال الطب.
في حين أن الرجال والنساء قد يعانون من نفس أعراض المرض العقلي، فإن العلاجات المختلفة التي يتلقونها تعكس الصور النمطية الثقافية السائدة في ذلك الوقت. كان علاج الراحة يضمن بقاء النساء في المنزل، أي حبسهن في (الحجرة) التي ترمز إلى القمع والعزلة. كان ميتشل وزملاؤه من الأطباء يمنعون المريضات من الكتابة أو الدراسة المفرطة أو محاولة ممارسة المهن، مما يحد من طموحاتهن وقدراتهن. وقد نصح شارلوت جيلمان، مؤلفة رواية "ورق الجدران الأصفر"، أثناء معاناتها من نوبة اكتئاب ما بعد الولادة، بأن "تعيش حياة منزلية قدر الإمكان" وألا تلمس القلم أو الفرشاة مرة أخرى، في محاولة لإخماد شغفها بالإبداع.
هذا العلاج الغريب الذي ربما عانت منه الأديبة المرهفة مي زيادة في مستشفى العصفورية، وتناوله العديد من المؤلفين في رواياتهم وشهاداتهم عن مي العاقلة، وهم يصفون معاناتها ويرفضون إمكانية مرضها. إلا أن أديبًا واحدًا كان يتمتع بمصدر ثقة كبيرة لدى (العقاد) شهد غير مرة أن مي بعد وفاة والدها ووالدتها وجبران ومع تقدمها في السن أصبحت تشاهد أشخاصًا غير مرئيين. بالنسبة لي، إنكار مرض مي العقلي هو نوع من أنواع القتل المعنوي لشخصيتها وعدم تقبل لما يمكن وصفه بكل تسامح بمرض. والذي قد يكون تسميته وتشخيصه وعلاجه في عصرنا الحالي أمرًا بسيطًا وممكنًا. لكنهم في الماضي حبسوها في (الحجرة) المظلمة، وحرموها من حقها في العلاج والتعافي.
يمكننا القول بكل ثقة إن رواية "حجرة" هي عمل روائي فريد من نوعه يستعرض تطور الاضطرابات العقلية من منظور طبي ونفسي عميق، وذلك من خلال استعراض أفكار الشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب. إن سرد البطلة المجنونة مؤلم ومثير للقلق إلى حد كبير، حيث ينقل لنا حجم المعاناة التي تعيشها.
في اعتقادي الراسخ، كان الناس في العصور الغابرة، قبل ظهور المستشفيات النفسية المتخصصة، يتخلصون من النساء اللاتي يعانين من الجنون في العائلة عن طريق القتل أو دفعهن للانتحار اليائس. في المقابل، كانوا يسمحون للرجل المجنون بالحياة في الشوارع، حيث يقضي وقته في التفاعل مع أوهامه وتخيلاته.
الفيلسوف المرموق ميشيل فوكو، صاحب المؤلفات الرائدة، قدّم لنا كتابًا يعتبر مرجعًا لا يُضاهى في التاريخ الكلاسيكي للجنون. يصف هذا الكتاب أفظع العلاجات التي كانت تُوصَف للمجانين من النساء والرجال على حد سواء. حسبما أتذكر، كان أحد هذه العلاجات يتمثل في إحداث ثقب في جمجمة المجنونة ثم ملء هذا الثقب بروث الحمام، وهو أمر بالغ القسوة والوحشية.
رواية حجرة أيقظت في ذاكرتي قصة أخرى تتناول حبكتها امرأة تعاني من الجنون، وهي رواية "ورق الجدران الأصفر" (1892) التي كتبتها المبدعة شارلوت جيلمان.
تسلط هذه الرواية الضوء على تجربة العلاج القسري للنساء المصابات بالجنون في القرن التاسع عشر، وهو علاج ابتكره الطبيب سيلاس ميتشل وأطلق عليه اسم "علاج الراحة". كان هذا العلاج مخصصًا تحديدًا للنساء العصبيات، ويتكون من الراحة القسرية في الفراش والعزلة الاجتماعية والإفراط في التغذية. كان هذا "العلاج" القمعي يشمل أيضًا العلاج بالصدمات الكهربائية والتدليك، بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي غني باللحوم وقضاء أسابيع أو أشهر في الراحة التامة في الفراش. يرى المؤرخون المعاصرون أن "علاج الراحة" الذي ابتكره ميتشل يمثل مثالًا صارخًا على كراهية النساء المتجذرة في مجال الطب.
في حين أن الرجال والنساء قد يعانون من نفس أعراض المرض العقلي، فإن العلاجات المختلفة التي يتلقونها تعكس الصور النمطية الثقافية السائدة في ذلك الوقت. كان علاج الراحة يضمن بقاء النساء في المنزل، أي حبسهن في (الحجرة) التي ترمز إلى القمع والعزلة. كان ميتشل وزملاؤه من الأطباء يمنعون المريضات من الكتابة أو الدراسة المفرطة أو محاولة ممارسة المهن، مما يحد من طموحاتهن وقدراتهن. وقد نصح شارلوت جيلمان، مؤلفة رواية "ورق الجدران الأصفر"، أثناء معاناتها من نوبة اكتئاب ما بعد الولادة، بأن "تعيش حياة منزلية قدر الإمكان" وألا تلمس القلم أو الفرشاة مرة أخرى، في محاولة لإخماد شغفها بالإبداع.
هذا العلاج الغريب الذي ربما عانت منه الأديبة المرهفة مي زيادة في مستشفى العصفورية، وتناوله العديد من المؤلفين في رواياتهم وشهاداتهم عن مي العاقلة، وهم يصفون معاناتها ويرفضون إمكانية مرضها. إلا أن أديبًا واحدًا كان يتمتع بمصدر ثقة كبيرة لدى (العقاد) شهد غير مرة أن مي بعد وفاة والدها ووالدتها وجبران ومع تقدمها في السن أصبحت تشاهد أشخاصًا غير مرئيين. بالنسبة لي، إنكار مرض مي العقلي هو نوع من أنواع القتل المعنوي لشخصيتها وعدم تقبل لما يمكن وصفه بكل تسامح بمرض. والذي قد يكون تسميته وتشخيصه وعلاجه في عصرنا الحالي أمرًا بسيطًا وممكنًا. لكنهم في الماضي حبسوها في (الحجرة) المظلمة، وحرموها من حقها في العلاج والتعافي.
